انطلاق زخم التنمية في الصين ومشاركة فرص التعاون العالمي

في الآونة الأخيرة، أعلنت الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية تعسفية على جميع شركائها التجاريين، بما فيهم الصين تحت ذرائع مختلفة، مما وجه ضربة قوية لاستقرار النظام الاقتصادي العالمي. وفي 10 أبريل الجاري، أصدرت الصين الكتاب الأبيض بشأن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة، حيث أعربت الحكومة الصينية عن إدانتها الشديدة لهذه الإجراءات ومعارضتها الحازمة لها، كما اتخذت تدابير قوية وحاسمة للرد عليها.
إن الولايات المتحدة تضع مصالحها الخاصة فوق المصلحة العامة للمجتمع الدولي، وتخدم هيمنتها على حساب الحقوق والمصالح المشروعة للدول الأخرى، مما سيقابل حتماً برفض متزايد من قبل المجتمع الدولي.
تسببت السياسات الجمركية الأمريكية في تعطيل خطير للتعاون الاقتصادي والتجاري الطبيعي بين الصين والولايات المتحدة، وأثارت حالة من عدم اليقين وعدم الاستقرار في الاقتصاد والتجارة وسلاسل الصناعة العالمية، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط، وأثرت سلباً على ثقة المستثمرين. ومن هذا المنطلق، اضطرت الصين إلى اتخاذ إجراءات قوية للدفاع بحزم عن مصالحها الوطنية، وفي الوقت ذاته، لحماية مصالح الدول النامية حول العالم، بما في ذلك المملكة العربية السعودية.
ووفقاً للموقع الرسمي لوزارة التجارة الصينية، أجرى وزير التجارة الصيني وانغ ون تاو في العاشر من أبريل مكالمة مرئية مع وزير التجارة السعودي ماجد القصبي، حيث تبادل الجانبان الآراء حول عدة قضايا، من بينها الرد على التعريفات الجمركية الأمريكية، وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والسعودية وبين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، وتفعيل دور منظمة التجارة العالمية، وحماية النظام التجاري المتعدد الأطراف.
وتشير بيانات معهد الأبحاث الاقتصادية الصيني إلى أن حجم الواردات والصادرات الثنائية للسلع بين الصين والسعودية بلغ 107.534 مليار دولار أمريكي في عام 2024، بزيادة قدرها 307 ملايين دولار أمريكي مقارنة بعام 2023، بزيادة سنوية قدرها 0.3٪
تُعتبر الصين و السعودية شريكين تجاريين مهمين لبعضهما البعض، وتتمتعان بدرجة عالية من التكامل الاقتصادي وارتباط وثيق في المصالح. وفي السنوات الأخيرة، وتحت الارشادات الاستراتيجية لقادة البلدين، شهدت الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين والسعودية تطوراً عميقا، حيث تم تحقيق الترابط القوي بين مبادرة “الحزام والطريق” الصينية و”رؤية السعودية 2030″. كما ترسخت الثقة السياسية المتبادلة بين البلدين، وزيادة التعاون العملي في مختلف المجالات، وحقق التعاون في مجالي التجارة والاستثمار نتائج مثمرة.
تشارك الشركات الصينية بفعالية في تنفيذ المشاريع الكبرى في السعودية، بما في ذلك البنية التحتية ومشاريع تحسين جودة الحياه، مما يسهم في التحول الاقتصادي والاجتماعي للسعودية وتحقيق “رؤية 2030”. وتعد السعودية واحدة من أهم أسواق المشاريع الهندسية التي تنفذها الشركات الصينية في منطقة الشرق الأوسط. وخلال السنوات الأخيرة، أنجزت الشركات الصينية في السعودية العديد من مشاريع البنية التحتية، مثل مشروعات الاتصالات، ومعالجة مياه الصرف الصحي، والموانئ والنقل،
بالإضافة إلى مشاريع المرافق العامة مثل الملاعب والإسكان الميسر، فضلًا عن مشاريع الطاقة الجديدة مثل محطات الطاقة الشمسية وأنظمة تخزين الطاقة، ومشاريع الصناعات التحويلية كالبترول والبتروكيماويات والتعدين. وتتميز المشاريع الكبرى التي تنفذها الشركات الصينية في السعودية بالإلتزام بالمواعيد، والمعايير العالية، والجودة الممتازة، والاستدامة، والفوائد الكبيرة للمجتمع، ما جعلها تحظى بتقدير واسع من مختلف الأوساط في السعودية، وأصبحت العديد من المشاريع رمز للتعاون العملي بين الصين والسعودية.
وتواصل الشركات الصينية توسيع استثماراتها في السعودية. ووفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء السعودية، بلغ إجمالي رصيد الاستثمار المباشر للشركات الصينية في السعودية 2.481 مليار دولار أمريكي حتى عام 2023. وحتى الآن، أنشأت 35 شركة صينية مقراتها الإقليمية في السعودية، بينما يتجاوز عدد الشركات الصينية العاملة في السعودية 300 شركة،
تغطي أنشطتها مجالات مثل المقاولات الهندسية، والتجارة والخدمات اللوجستية، والتجارة الإلكترونية، والاتصالات، والخدمات الطبية الحيوية، والاستثمار الصناعي، وتطوير المناطق الاقتصادية. كما بدأت هذه الشركات في التوسع تدريجيًا نحو مجالات جديدة تشمل الخدمات المالية، والاستشارات، والتعاون التكنولوجي، وتجارة التجزئة، مما يعكس تحولًا من نموذج “الاعتماد على الطاقة” إلى “الابتكار كمحرك رئيسي للنمو”.
وقد أشار الرئيس الصيني شي جين بينغ مؤخراً، خلال لقائه مع ممثلين من أوساط الصناعة والتجارة الدولية في بكين، إلى أن “تعددية الأطراف هي الخيار الحتمي لمواجهة التحديات والصعوبات التي يواجهها العالم، وأن العولمة الاقتصادية تمثل توجهاً تاريخياً لا يمكن وقفه.
وستواصل الصين التمسك بالتعددية الحقيقية، وتعزيز عولمة اقتصادية شاملة للجميع، والمشاركة الإيجابية في الحوكمة الاقتصادية العالمية، والسعي لبناء اقتصاد عالمي منفتح.”
وتؤكد الصين استعدادها للعمل مع دول المنطقة العربية من أجل الدفاع المشترك عن النظام التجاري المتعدد الأطراف، من خلال تعزيز استقرار التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ودول المنطقة، و المساهمة في تقليص حالة عدم اليقين وعدم الاستقرار التي يواجهها العالم حالياً
بقلم باي يوي وجيه .