“الصحاف” موروث شعبي تطور عبر الزمن بعسير
جمال علم الدين
زينت “الصحفة” وجمعها “صحاف” السفرة الشعبية في منطقة عسير، ومنحتها لمسة جمالية، فقد تميزت بشكلها الأنيق، مما جعلها تحتل مكانة عريقة لدى أهالي المنطقة، وترتبط “الصحفة” بالطبيعة والعادات التقليدية القديمة في تحضير موائدها في المناسبات الرسمية.
الصفحة تاريخ عريق
وتعود صناعة “الصحفة” إلى عصور قديمة، حيث تجسد علاقة الإنسان بالطبيعة وتُعد بديلاً صحياً وآمناً لاستخدام الأواني التقليدية وتعتبر من أهم الأواني الخشبية المصنوعة من شجرة “الغَرَبْ” أو ما يعرف باسم بالدلب الغربي (Platanus occidentalis)، التي تعد إحدى الأشجار المعمرة التي يتراوح عمرها بين الخمسين والسبعين عاماً.
وأكد المواطن حسن الأسمري، أحد المهتمين بصناعة وتجهيز الصحاف، على أهمية توثيق هذا الموروث الأصيل والمحافظة على أساليبه والتعريف به للأجيال القادمة.
وأوضح الأسمري أن صناعة الصحاف تبدأ بالحصول على “اليزمة” وهي قطعة خشبية يتراوح ارتفاعها بين 70 و90 سنتيمتراًً، وعرضها ما بين 35 و50 سنتيمتراً، وبعد نقلها وحفظها وتخزينها في مخازن مغلقة لمدة عام وفي ظروف مناخية خاصة،
بعيدا عن التيارات الهوائية وأشعة الشمس، حتى تكتسب الصلابة وخفة الوزن، يليه تحديد قطرها وتخطيطها ثم فصلها إلى قسمين باتجاه عمودي،
كما تحدد الدائرة بـ”الفرجار” من داخل الصحفة وخارجها، ثم تنظيف أطرافها الزائدة لتأخذ الشكل الدائري، ثم مرحلة الحفر باستخدام الفأس، ليجري تصنيعها ونقشها وتعميقها بـ”القدوم” عبر تشذيب الصحفة وتهذيبها حتى تتكون الدائرة النهائية للصحفة ثم مرحلة الصنفرة وتركيب “الحيل” والتي هي الأيادي المستخدمة في حملها وتثبت في طرفين أو ثلاثة وتصل إلى أربعة حسب حجم وقطر الصحفة.
وأضاف الأسمري أن “الصحفة” تزخرف بأشكال مختلفة منها إضافة المسامير الذهبية أو الفضية أو إضافة قواعد توضع حسب طلب العميل، وتستخدم لتقديم الأكلات الشعبية للضيوف في المناسبات العامة وأصبحت أيقونة فارقة في السفرة الجنوبية بما تمتاز به من أشكال زخرفية، وإضفاء جماليات على السفرة، حيث يقدّم فيها بعض الأكلات الشعبية الشهيرة مثل “المعصوبة” و”المشغوثة” و”المصبعة “واللحوم.
ولا يزال أهالي المنطقة يحافظون على “الصحفة” لسنوات طويلة ويرفضون التفريط بها، ويتوارثونها من جيل إلى آخر، كما تعد من المقتنيات النادرة التي يجب المحافظة عليها، ويسعى من يقتنيها للمحافظة عليها وتنظيفها بطرق خاصة ودهنها بالزيوت الحيوانية والنباتية لتحافظ على لونها ونكهتها.
وتعكس “الصحفة” التي تتراوح أسعارها بين ألف ريال وما يقارب 25 ألف ريال، حسب نوع الخشب المصنوعة منه وتاريخ صناعتها وأشكالها الزخرفية الفريدة تراث وثقافة المنطقة، فهي من الأواني المضادة للبكتيريا وتعمل على عزل الحرارة مما يجعل التعامل معها آمناً ويقلل من خطر الحروق.
وفي الختام تساهم صناعة الصحاف في الحفاظ على التراث الثقافي للمناطق الجنوبية وتتناقلها الأجيال، كما تدعم صناعتها الاقتصاد المحلي من خلال توفير فرص عمل وتسويق للمنتجات الحرفية والمشاركة بها في المحافل والمعارض الدولية.