أخبار عامةاقتصاد

هل يعتبر تعويم الجنيه في مصر حلاً للأزمة المالية الحالية

على الرغم من الهدوء والاستقرار الذي تشهده سوق الصرف في مصر في الآونة الأخيرة، إلا أن سعر الدولار لا يزال يحتل الجزء الأكبر من حديث المصريين.

على مدار 85 عاماً، شهدت تعاملات الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي ارتفاعاً مستمراً استمر بنفس الوتيرة حتى عام 1990، ليبدأ بعد ذلك في تسجيل قفزات كبيرة وفترة جديدة من التراجعات القوية مقابل الدولار.

تشير الإحصائيات إلى أنه على مدار 34 عاماً، منذ عام 1990، شهد سعر صرف الدولار تغييرات كبيرة مقابل الجنيه المصري، حيث ارتفع بنسبة 4479%، مما يعني زيادة سنوية تبلغ 131.7%. كما تضاعف سعر الصرف بنحو 45.7 مرة، مما يدل على أن العملة المصرية فقدت حوالي 97.8% من قيمتها مقارنة بالدولار الأميركي خلال هذه الفترة.

في عام 1939، خلال فترة الملكية، كان سعر صرف الدولار لا يتجاوز 0.2 جنيه، مما يعني أن الجنيه المصري كان قادراً على شراء خمسة دولارات. وبعد مرور 10 سنوات، لم يرتفع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه إلا بشكل طفيف، ليصل في عام 1949 إلى حوالي 0.25 جنيه.

مع بداية خمسينيات القرن الماضي واندلاع أول ثورة في مصر، وحتى عام 1967، شهد سعر صرف الدولار ارتفاعاً ملحوظاً مقابل الجنيه، حيث ارتفع من 0.25 إلى 0.38، مسجلاً زيادة بنسبة 52%.

على مدار أكثر من عشر سنوات، من عام 1967 حتى عام 1978، ارتفع سعر صرف الدولار بشكل طفيف ليصل إلى حوالي 0.40 جنيه، بزيادة لا تتجاوز 5%.

بين عامي 1979 و1988، شهد سعر صرف الدولار قفزة كبيرة، حيث ارتفع من 0.40 جنيه إلى 0.60 جنيه، محققاً زيادة بنسبة 50%. ومن عام 1989 إلى 1990، سجل الدولار ارتفاعاً قياسياً، حيث ارتفع من 0.40 جنيه في عام 1989 إلى 0.83 جنيه في عام 1990، بزيادة بلغت 107.5%.

تحول كبير في سعر الصرف منذ عام 1990

مع بداية التسعينيات من القرن الماضي، شهد الجنيه المصري انهيارات متواصلة أمام الدولار الأميركي. فقد ارتفع سعر صرف الدولار من 0.83 جنيه في عام 1990 إلى 1.50 جنيه في عام 1991، مما يمثل زيادة تتجاوز 80%.

وفي عام 1992، شهد سعر صرف الدولار قفزة كبيرة بنسبة 100%، حيث ارتفع من 1.50 جنيه ليصل إلى حوالي ثلاثة جنيهات. أما في العام التالي، فلم يسجل الدولار ارتفاعاً كبيراً، إذ ارتفع من ثلاثة جنيهات إلى نحو 3.33 جنيه، بزيادة تقدر بـ 11% فقط.

منذ عام 1993 وحتى بداية الألفية الجديدة، لم يشهد سعر صرف الدولار ارتفاعات كبيرة، حيث ارتفع من 3.33 جنيه في عام 1993 إلى 3.40 جنيه، بزيادة لا تتجاوز 2%. وفي عام واحد فقط، شهد سعر الدولار ارتفاعاً بنسبة 10.29%، حيث انتقل من 3.40 جنيه في عام 2000 إلى 3.75 جنيه في عام 2001.

وفي عام 2002، بلغ سعر صرف الدولار مقابل الجنيه أربعة جنيهات، بزيادة قدرها 6.66% عن 3.75 جنيه في عام 2001. ثم في عام 2003، قفز سعر الدولار من أربعة جنيهات إلى 4.60 جنيه، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 15%.

وشهد عام 2004 قفزة جديدة في سعر صرف الدولار، إذ ارتفع من نحو 4.60 جنيه عام 2003 ليسجل خمسة جنيهات عام 2004، بنسبة تتجاوز 8.69 في المئة، وبنهاية عام 2005 سجل سعر صرف الدولار في مقابل الجنيه 5.75 جنيه بـ 15 في المئة.

ومنذ عام 2005 وحتى 2011 ارتفع سعر الدولار ليسجل 6.5 جنيه في مقابل 5.75 جنيه عام 2005، أي بـ 13 في المئة، ومنذ عام 2011 وحتى 2013 قفز سعر الدولار من 6.50 جنيه نهاية عام 2011 ليسجل 13.25 جنيه.

5 تعويمات وخسائر كبيرة منذ نوفمبر 2016

لكن منذ عام 2016 شهدت سوق الصرف في مصر تغيرات كبيرة تزامنت مع إعلان الحكومة تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأ بتعويم الجنيه المصري في مقابل الدولار، فخلال الأعوام الثمانية عُوم الجنيه المصري خمس مرات، فقد خلالها 84 في المئة من قيمته، وقفز سعر الدولار من 7.80 جنيه قبل أول تعويم في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 إلى نحو 49 جنيهاً في الوقت الحالي، وتشير هذه الأرقام إلى أن متوسط الزيادة في سعر الدولار يبلغ 66 في المئة خلال الأعوام الثمانية الماضية.

في أول قرار لتعويم الجنيه عام 2016، وبخلاف السعر الاسترشادي الذي حدده البنك المركزي المصري عند 13 جنيهاً للدولار، شهد سعر الصرف ارتفاعاً ملحوظاً بلغ 131 في المئة، حيث قفز سعر الدولار إلى 18 جنيهاً في ديسمبر 2016، مقارنة بـ 7.80 جنيه قبل قرار التعويم في نوفمبر من نفس العام.

وظلت السوق مستقرة حتى عام 2022، عندما قرر البنك المركزي المصري في مارس خفض قيمة الجنيه من 15.77 جنيه للدولار إلى 19.7 جنيه للدولار، مما يمثل تراجعاً بنسبة 25 في المئة.

التعويم الثالث للجنيه المصري حدث في أكتوبر 2022، حيث تم تخفيض قيمته من 19.7 جنيه للدولار إلى 24.7 جنيه للدولار، مما يمثل تراجعاً بنسبة 25.4%. أما التعويم الرابع فقد وقع في يناير 2023، حيث انخفض سعر الجنيه من 24.7 جنيه للدولار إلى 32 جنيهاً للدولار، بتراجع قدره 30%.

أما التعويم الأخير فقد تم في مارس الماضي، عندما قرر البنك المركزي المصري خلال اجتماع استثنائي رفع أسعار الفائدة بمقدار 600 نقطة أساس، وسمح بتحديد سعر صرف الجنيه وفقاً لآليات السوق. عقب هذه القرارات، ارتفع سعر الدولار إلى أكثر من 45.30 جنيه، واستمر في الارتفاع ليصل حالياً إلى 49 جنيهاً.

لماذا كانت هذه القرارات ضرورية لمصر؟


في الأشهر الأخيرة، واجهت مصر أزمة حادة في توفر العملات الأجنبية، مما أدى إلى ارتفاع أسعار معظم السلع ونقص بعضها، وأعاد تنشيط السوق الموازية لأول مرة منذ سنوات، حيث تجاوز سعر الدولار في السوق السوداء ضعف سعره في البنوك في بعض الأيام.

جاء هذا النقص الحاد نتيجة لتراجع عائدات السياحة، بالإضافة إلى انخفاض تحويلات المصريين في الخارج بنحو الثلث خلال العام المالي 2022/2023 مقارنة بالعام السابق.

كما شهدت عوائد قناة السويس تراجعًا ملحوظًا هذا العام، بسبب أزمة الملاحة في البحر الأحمر الناتجة عن هجمات الحوثيين على بعض السفن.

في الوقت نفسه، كانت مصر تستعد لسداد أكبر قدر من فوائد وأقساط الديون في تاريخها هذا العام، حيث قدر البنك المركزي المبلغ بـ 42.3 مليار دولار.

وقد بلغ معدل الديون الخارجية أعلى مستوى له على الإطلاق، مسجلاً حوالي 165 مليار دولار في بداية العام الحالي.

سعت مصر للحصول على دفعات متأخرة من القرض الذي تم الاتفاق عليه مع صندوق النقد الدولي في نهاية عام 2022، بالإضافة إلى توسيع نطاق القرض. ومع ذلك، كان صندوق النقد يصر على ضرورة وجود “سعر صرف مرن للجنيه المصري”.

ويعتبر الخبير الاقتصادي علاء عبد الحليم أن هذه الخطوة تأخرت لعدة أشهر. إلى أنه كان ينبغي على الحكومة معالجة الأزمة في وقت سابق، لكنها كانت بحاجة إلى تدفق بعض الأموال الأجنبية، مثل تلك التي دخلت البلاد من خلال صفقة رأس الحكمة، مما أتاح للبنك المركزي المصري إمكانية تحريك سعر الجنيه.

أشار إلى وجود اختلاف بين المرتين، موضحًا: “تخفيض قيمة الجنيه هذه المرة يختلف، حيث توجد عوامل تدعم نجاحه. هناك استثمارات خليجية متوقعة، وعوائد بالعملات الأجنبية من مشروع رأس الحكمة، بالإضافة إلى دعم صندوق النقد الدولي”.

ومع ذلك، يرى أن نجاح هذه الخطوة يعتمد على عدم تكرار الحكومة “لأخطاء الماضي”، وينبغي عليها تجنب التوسع في المشاريع التي تستهلك الدولار دون أن تحقق عائدًا اقتصاديًا.

كما أضاف عبد الحليم أن القضاء على السوق السوداء لتداول الدولار سيستغرق بعض الوقت، موضحًا أن “هناك عدة أسعار للدولار في الأسواق، منها سعر سوق الذهب، والسعر الرسمي، وسعر السوق السوداء، وستظل هذه الأسعار قائمة حتى يتوفر الدولار بالسعر الرسمي في البنوك، وتستعيد الثقة بين المستثمرين والقطاع المصرفي، وتُزال العقبات أمام الحصول على الدولار لعمليات الاستيراد”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى