سياحة واثار

مصر…آثار مطروح تتحدث عن نفسها.. اكتشافات أثرية تعيد كتابة التاريخ لجوهرة البحر المتوسط

جمال علم الدين

تُخفي محافظة مرسى مطروح بين كثبانها الرملية الذهبية وبالقرب من ساحلها حيث تمتد المياه الزرقاء الصافية عبر الأفق، تاريخًا عريقًا يضرب جذوره بقوة في عمر الزمان، لكن سواعد أبناء مصر تأبي إلا أن تنقب عن ماضيها الزاهر لتضيف إلى تاريخ مصر صفحة جديدة ومجيدة، وليكتب المؤرخون تاريخًا لم يكن مدونًا من قبل. 

آخر تلك الصفحات المجيدة، ما أعلنت عنه وزارة السياحة والآثار من اكتشافات أثرية بمنطقة “زاوية أم الرَخَّم”، التي تبعد حوالي 20 كم غرب مدينة مرسى مطروح، حيث تم الإعلان عن اكتشاف مقابر وحمام كامل وتماثيل ولُقى أثرية تؤكد أهمية المدينة كمركز للتجارة الخارجية في حوض البحر المتوسط عبر العصور التاريخية. 

لقد أثبتت تلك الاكتشافات أن محافظة مرسى مطروح تملك تاريخًا أطول وأكبر مما كنا نعتقد، فقد نفضت عن نفسها غبار الزمان لتتحدث الآثار عن نفسها وتبوح بأسرارها عبر الأزمنة التاريخية المختلفة. 

 

بدوره يؤكد الأستاذ الدكتور عبد العزيز الدميري، مدير عام الآثار بمحافظة مطروح، والمحاضر بكلية اللغات والآثار بمحافظة مطروح في تصريح خاص لـ”بوابة الأهرام” أن المناطق الأثرية بالساحل الشمالي عامة ومطروح خاصة تتميز بأنها مجموعة من التلال الأثرية غير المكتشفة، فبعضها نُقب والغالبية لم يُنقب بعد، ولا توجد بها مباني مرتفعة، فالأبنية الأثرية في مطروح تتراوح ارتفاعاتها بين 60سم ومتر على الأكثر. 

أم الرَخَّم في مسيرة التاريخ

وأضاف أن منطقة “أم الرَخَّم” من أهم المناطق الأثرية في مطروح؛ نظرًا لأنها كانت المستوطنة أو المدينة السكنية خلال العصر الفرعوني واليوناني والروماني، فكانت تضم معبد وحصن الملك رمسيس الثاني، الذي اكتشفه الرائد الأثري لبيب حبشي عام 1942م. 

وعُثر بحصن أم الرَّخم على تمثال الحاكم العسكري “نب رع”، الذي يُعرض حاليًا في معبد الأقصر، وبعض اللوحات الأخرى، بالإضافة إلى أواني فخارية متعددة، مؤكدًا أن أم الرَخَّم القديمة، والتي كان يُطلق عليها اسم “أَبِس” كانت عبارة عن مدينة متكاملة تضم معبدًا، فضلا عن مساكن ومعاصر ومقابر، وإلى الآن توجد الأطلال الأثرية للمعبد والحصن.  

مواسم التنقيب

وأكد أن الحفائر الأثرية بمنطقة أم الرَّخم هي حصيلة جهود مضنية قامت بها البعثة الأثرية المصرية عبر عدة مواسم  متعاقبة من التنقيب، حيث تم العمل أولاً بمحيط المدينة السكنية، فتم العثور بعض العملات واللُّقى الأثرية، فضلاً عن  حمام الروماني، وبجواره تم العثور على 3 ثماثيل، أحدهم تمثال رخامي لرجل مفقود الرأس يرتدي الزي الروماني (التوجا)، والثاني تمثال نصفي لسيدة مجهولة، والثالث على صورة الكبش، ويعود تاريخها إلى القرن الأول الميلادي. 

ألسنة ذهبية وزجاجات الدموع

وخلال العامين الأخيرين تم التنقيب في منطقة المقابر، حيث تم العمل داخل مقبرتين كبيرتين، بهما دفنات غير مُحنطة تعود إلى العصر الروماني، حيث عُثر على بعض الألسنة الذهبية داخل الهياكل العظمية، إلى جانب بعض اللقى الأثرية الأخرى مثل أواني أو زجاجات الدموع (كانت تستخدم خلال العصر الروماني ضمن طقوس جنائزية، حيث كانت تمتلئ بدموع المشيعين والمعزين حزنًا على فراق الأحبة).

الحمام الروماني 

وأضاف الدميري في حديثه لـ”بوابة الأهرام” أن الحمام الروماني الذي تم الكشف عن بعض عناصره، من أهم وأميز الاكتشافات الأخيرة للبعثة المصرية بمنطقة أم الرَخَّم، حيث تم اكتشاف مجموعة من الأحواض والقنوات المائية، وغرف الاستحمام المزودة بصالات ومقاعد الجلوس، وسيتم مواصلة التنقيب عن باقي معالمه خلال المواسم القادمة. 

أهمية الاكتشافات

وشدد مدير عام آثار محافظة مطروح على أهمية هذه الاكتشافات الأثرية التي تضع مرسى مطروح على خارطة المعالم الأثرية المصرية، خاصة أن المحافظة تتمتع بمقدرات سياحية كبيرة وتجذب أعداد كبيرًا من المصطافين، مؤكدًا أن الحفائر الأثرية استمرت منذ شهر أكتوبر 2023 إلى مارس 2024، وتم إعداد التقارير الخاصة بالاكتشافات الأثرية، ومن ثم تم الإعلان عنها عبر الموقع الرسمي لوزارة السياحة والآثار، موجهًا الشكر للأثريين والعمال الذين شاركوا في تلك الحفائر وجميعهم من أبناء محافظة مطروح.   

بيان وزارة السياحة والآثار 

الجدير بالذكر أن البعثة الأثرية المصرية برئاسة الأستاذ قطب فوزي رئيس الإدارة المركزية لآثار الوجه البحري وسيناء، في الكشف عن جبانة مدينة مرسى مطروح خلال العصر الروماني وذلك أثناء أعمال الحفائر بمنطقة أم الرَخَم الأثرية بمحافظة مطروح.

ومن جانبه أكد الدكتور محمد إسماعيل خالد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، على أهمية هذا الكشف حيث إنه يشير إلى الدور الذي لعبته مدينة مرسى مطروح الأثرية كمركز للتجارة الخارجية في حوض البحر المتوسط ليس فقط خلال العصر الروماني، ولكن عبر العصور التاريخية المختلفة.

وقد اكتشفت البعثة مقبرتين منحوتتين في الصخر من طراز “الكتاكومب”، المعروف في العصر الروماني، بهما 29 موضعًا للدفن وعدد من “المدامع الزجاجية” وموائد القرابين المنقوشة والمزخرفة، وتمثال لرجل يرتدى الرداء الروماني المميز “التوجا”، وتمثال لكبش، وتمثال نصفي لسيدة غير معروفة وبعض العملات البرونزية، هذا بالإضافة إلى حمام مكتمل العناصر المعمارية حيث عثر بداخله على صالات للاستقبال ومقاعد جلوس مرتادي الحمام، وغرف الاستحمام، وخزانات وأماكن تصريف المياه.

وأعرب الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار عن سعادته بنجاح البعثة الأثرية المصرية في إزاحة الستار عن هذا الكشف الأثري الهام، ما يأتي في إطار توجيهات السيد شريف فتحي وزير السياحة والآثار للاهتمام بالبعثات الأثرية المصرية بصورة أكبر بما يمكنها من الكشف عن المزيد من أسرار الحضارة المصرية العريقة.

اقرا ايضا: واحة سيوة أيقونة السياحة التاريخية وقبلة زوار العالم

ومن جانبه أوضح الدكتور أيمن عشماوي رئيس قطاع الآثار المصرية بالمجلس الأعلى للآثار، أن مقبرتي الكتاكومب، لهما درج ينتهي بردهة مستوية أمام مدخل حجرة الدفن يؤدي إلى حجرة الدفن الرئيسية مربعة الشكل ذات سقف مُقبى بداخلها مواضع الدفن المنحوت في الصخرLoculi، والتي كانت مغلقة بإحكام بسدادات من الحجر الجيري. 

أما مكان دفنة صاحب المقبرة فكان مغلق بباب وهمي، ترتكز جوانبه على عمودين دوريين نحتا بالنحت البارز، وفى المنتصف تم تجسيد باب ذو ضلفتين يعلوه إفريز دوري يحتوي على زخرفة الأسنان وأسفله توجد مائدة قرابين من الحجر الجيري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى