تشات جي.بي.تي” .. هل دخلنا عالم الكائنات الرقمية ؟!
تشات جي.بي.تي” .. هل دخلنا عالم الكائنات الرقمية ؟!
بقلم: دكتور محمود مشارقة
أهلا بك في عالم المستقبل.. إذا أردت أن تصبح عالما أو خبيرا أو حتى شاعرا أو مديرا تنفيذيا في شركة عملاقة سيحقق “تشات جي.بي.تي” أحلامك بكل سهولة .
لمن لا يعرف ” ChatGPT “، هو أحدث صيحات التقنية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، وبإمكان هذا التطبيق كتابة مقالات ومواضيع إنشائية ونكات ونظم قصائد بثوان معدودة ، ليحيل الشعراء والكتاب وحتى أصحاب المهن إلى التقاعد.
الأمر لا يتوقف عند الكتابة أو إعطاء استشارات مالية أو أدبية، فالبرنامج سيؤثر في أعمال أساتذة الجامعات والمعلمين في المدارس ، وسيوفر منصة للطلاب للغش وحل الامتحانات بسرعة فائقة جدا وبجدارة، كما يؤثر في وظائف البنوك وسيحيل كثير من الوظائف البشرية إلى صفحات التاريخ وسيجعلها طي النسيان.
أحدهم يقول أن التقنية لا تشكل حلولا ثورية للبشرية بقدر ما تزيد من الأمية والاعتماد على الذكاء الاصطناعي في تحديد خياراتنا اليومية ورسم ملامح حياتنا المستقبلية .
بعيدا عن نظرية المؤامرة، لك أن تتخيل كيف كان العالم قبل خمسة عقود من الآن بدون إنترنت ولا بريد إلكتروني، ولا هواتف ذكية تحاكي اهتماماتنا وتتفحص غرائزنا ودقات قلوبنا.
في 1982دخل العالم مرحلة جديدة بانطلاق نظام البريد الإلكتروني، المعروف باسم “Email”،على يد للمهندس راي توم لينسون من بلاد العم سام، والذي يعد أول من أرسل رسالة إلكترونية في التاريخ خلال عمله مع شركة “بي بي أن” ضمن مشروع تابع لوزارة الدفاع الأمريكية ، وكان هذا الاختراع ثوريا وأشبه بفجر جديد للتقنية .. بعدها بدأنا نتسابق على إنشاء حسابات وبريد إلكتروني بعد أن كانت الرسائل من الخارج تستغرق أياما وشهور حتى تصل إلى صناديقنا البريدية الحديدية.
دخلنا بعدها إلى عالم مواقع التواصل الاجتماعي والمحادثات الفورية الفردية والجماعية والمكالمات المرئية.. نعم التقنية سبقتنا وتسبقنا بكثير وتفاجئنا كل يوم بجديدها ، وتشعرنا بأن حياتنا كانت في الماضي بلا طعم ولا نكهة.
بالعودة إلى برنامج الدردشة الآلي “تشات جي بي تي” فيعود الفضل في ابتكاره إلى شركة ناشئة هي “أوبن إيه آي” ممهدة الطريق للكائنات الرقمية التي تشبه الانسان في تصرفاتها وفي معلوماتها وحلولها الذكية.
القيمة السوقية لهذا البرنامج قد تتجاوز 30 مليار دولار بكثير، ويضع محرك البحث جوجل على المحك ، لأنه باختصار يقدم حلولا حياتية بسيطة تتعدى المسائل الرياضية المعقدة وبإمكانه أيضا حل واجبات الطلاب وكتابة رسائل دكتوراة فخرية وأصلية غير مزورة ، وبإمكانه أيضا تعزيز النزعات الإجرامية في العالم بإعطاء استشارات في أفضل طرق القتل والتطرف الانساني.
اللافت أن الحرب على هذا التطبيق احتدمت قبل دخوله الى حلبة المنافسة لتسارع دول وجامعات ومدارس ومراكز أبحاث لحظره من الاستخدام، لما قد يشكله من خداع رقمي واختراق أمني وتقني وسرقة لحقوق الملكية الفكرية.
الخلاصة ربما نهول من قوة هذا البرنامج الذي قد يلغي مليوني وظيفة في المرحلة الأولى ، إلا أن القلق هو أن يصبح البشر أدوات للذكاء الاصطناعي وليس العكس ، تحرك قراراتهم آلات صماء لا يستطيعون تحريكها.. إننا أمام عالم جديد مليء بالكائنات الرقمية علينا إجادة التعامل مع مفرداته وتحدياته على حياتنا وأجيالنا الصاعدة.