“اللاجئين في مصر… واقع مُرّ بين الأزمات الإنسانية والسياسات الحكومية”
"الأبعاد الإنسانية لأزمة ترحيل اللاجئين في مصر: نظرة من الداخل"
يربط بعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بين ظهور الحملات بشكل مفاجئ واستعداد القاهرة لاتخاذ خطوات جديدة بشأن توفيق أوضاع المهاجرين واللاجئين. ويعتقدون أن هذه الحملات قد تكون مدفوعة من قبل السلطات المصرية لإجبار اللاجئين على تقنين أوضاعهم من خلال دفع 1000 دولار للحكومة المصرية. في المقابل، استبعد آخرون وجود علاقة بين هذه الحملات وسياسات القاهرة تجاه ملف اللاجئين، خاصة وأن الحكومة قد أعلنت في عدة مناسبات عن نيتها جذبهم ضمن خطط استثمارية.
حقق الفيديو عشرات الآلاف من المشاهدات، في ظل تزايد النقاش حول وضع اللاجئين في مصر، وتشكيل مجموعات افتراضية معارضة لهم بهدف إعادتهم إلى بلدانهم.
أكدت الجهات الرسمية أن الفيديو المتداول بشأن ترحيل اللاجئين من مصر غير دقيق، مشيرة إلى أن ما تم تصويره يتعلق بعملية نقل لمهاجرين غير شرعيين تم القبض عليهم أثناء محاولاتهم للتسلل. يظل ملف اللاجئين في مصر قضية إنسانية حساسة، تتطلب تحقيق توازن دقيق بين الالتزامات الدولية والتحديات المحلية. ومع استمرار تدفقات اللاجئين من المناطق المجاورة، يجب أن يكون التركيز على الشفافية والتنسيق الدولي لضمان إدارة فعالة ومستدامة لهذا الملف.
أكدت السلطات المصرية عزمها على ترحيل أي لاجئ أو أجنبي يخالف «ضوابط الإقامة». كما سيتم ترحيل أي أجنبي يرتكب جريمة تستدعي الترحيل، أو لا يمتلك الأوراق والمستندات اللازمة للإقامة بشكل قانوني.
تستضيف مصر، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 106 ملايين نسمة، حالياً حوالي 9 ملايين مقيم أجنبي من أكثر من 130 دولة، بينهم مئات الآلاف من اللاجئين، معظمهم من السودان وسوريا وفلسطين، وفقاً للبيانات الرسمية.
بلغ عدد اللاجئين المقيمين في مصر بنهاية عام 2023 حوالي 473 ألف لاجئ، مما يمثل نحو 5% من إجمالي المهاجرين في البلاد. يحصل اللاجئون على دعم نقدي وعيني من مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، بينما تقدم الحكومة المصرية لهم خدمات صحية وتعليمية، حيث تُعامل معظمهم كمواطنين مصريين في المدارس والجامعات والمستشفيات، مما يُعتبر دعمًا كبيرًا لهم. كما تتلقى مصر تمويلًا نقديًا محدودًا من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول الشريكة لدعم اللاجئين. على سبيل المثال، أعلن الاتحاد الأوروبي في يونيو 2023 عن تقديم مساعدات فورية بقيمة 20 مليون يورو لمساعدة مصر في استضافة اللاجئين السودانيين.
اللاجئين في مصر قصص العالقين بين الوطن والمنفى”
قدَّر رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أن تكلفة استضافة مصر لأكثر من 9 ملايين شخص، سواء كانوا لاجئين أو مقيمين، تتجاوز 10 مليارات دولار سنوياً.
وأوضحت السفيرة نائلة جبر، رئيسة اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، أن مصر “لم ولن تقوم بترحيل أي من اللاجئين، التزاماً بالقوانين والمواثيق الدولية التي وقعت عليها”. وأشارت إلى أن “الأشخاص الذين يتم إعادتهم هم المتسللون الذين يحاولون دخول البلاد بشكل غير قانوني، أو الذين يخالفون ضوابط الإقامة، وهم أفراد لا تنطبق عليهم صفة (لاجئ)”.
كما علق عماد جاد، عضو مجلس النواب والناطق باسم الحركة المدنية في مصر، على بدء ترحيل اللاجئين الأجانب المخالفين للإقامة في البلاد.
وأشار جاد إلى ضرورة مراعاة الظروف التي تمر بها الدول التي يأتي منها اللاجئون، خاصة إذا كانت تعاني من حروب أو صراعات داخلية. وأكد أنه في مثل هذه الحالات يجب وضع ضوابط صارمة وخطة منظمة لترحيل اللاجئين، حيث لا يمكن تصور ترحيلهم في ظل وجود خطر يهدد حياتهم.
وأضاف: “يجب أن يتم الترحيل بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار. على سبيل المثال، تستضيف مصر مؤتمراً للقوى السياسية السودانية المختلفة، ومن الصعب أن تحدث موجة من ترحيل اللاجئين السودانيين في ظل الأوضاع الأمنية المتدهورة والصراعات الداخلية التي تعاني منها السودان”.
وأضاف: “يجب أن يتم الترحيل بطريقة منظمة وليس بشكل عشوائي، مع مراعاة الظروف الخاصة باللاجئين، ولا ينبغي أن نتأثر بحملات السوشيال ميديا التي تدعو إلى ترحيلهم”.
وأكد البرلماني المصري أن هناك حالات تستدعي الترحيل بشكل إلزامي وعاجل، مثل انتماء اللاجئ لجماعة تدعو إلى العنف، كجماعة الإخوان المحظورة، أو إذا قام اللاجئ بالتحريض ضد الدولة أو ممارسة أنشطة غير قانونية، ففي هذه الحالات لا تتردد الدولة في اتخاذ قرار الترحيل.
حقوق الإنسان بين المطرقة والسندان
وأشار الخبير المصري إلى أن قيام بعض السودانيين بعرض خريطة تشمل حلايب وشلاتين لا ينبغي أن يثير غضب المصريين أو يكون موضوعًا للنقاش على السوشيال ميديا، حيث أن هذه الخريطة تمثل ما تعتبره الحكومة السودانية خريطة شرعية للسودان، وبالتالي فإن المشكلة تكمن بين مصر والسودان وليس مع اللاجئ الذي يعرض هذه الخريطة.
لا يمكننا تغييب البعد السياسي في أثناء مقاربة هذه التفاصيل، وعند معاينة هذه التشكيلة الواسعة من الضغوط التي قلّما ينجو من تبعاتها أيّ من اللاجئين السوريين في مصر وفي غيرها من الدول، حيث لا حدود للانتهاكات الواقعة عليهم، مع كثرة المخالفات التي تسجّل في أسلوب التعامل معهم، وقد غابت المرجعيات الحمائية من طرف المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، ومن طرف الدول المضيفة أيضًا، وتُرك اللاجئون السوريون لمواجهة مصيرهم المجهول، وباتوا بازارات تُستثمر فيها حيواتهم ومستقبل أطفالهم.
ومما يؤكد هذا أن الإجراءات المصرية، منذ نهاية عام 2023، تجاه اللاجئين والضغوط باتجاه الترحيل والعودة إلى سورية، تزامنت مع إجراءات مماثلة في لبنان والأردن وتركيا والعراق وكردستان العراق، من خلال تقييد تأشيرات الدخول أو وقف منحها، ووقف إجراءات تجديد الإقامات حتى صكوك الإقامة المؤقتة وإقامة اللاجئ في هذه الدول، وقد رافق ذلك أحداث عنصرية وجرائم وانتهاكات واسعة وعمليات ترحيل جماعي، تحت شعار “العودة الطوعية”، استهدفت اللاجئين السوريين في هذه الدول التي يقيم فيها العدد الأكبر منهم. وتزداد الأمور وضوحًا في تركيا ولبنان، وهو ما يشي بوجود سياسة موحدة تجاه ملفّ اللاجئين السوريين، بالتزامن مع انفتاح ملحوظ باتجاه التطبيع مع نظام الأسد، وإعادة العلاقات معه في تجاوز واضح لرغبات السوريين وخياراتهم والحلّ السياسي الذي ينتظرونه.