العالم يغرق بالديون… فهل نحن على أعتاب أزمة ديون عالمية كبرى؟
يهيمن ملف الدين العالمي على الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين التي ستعقد في نهاية هذا الشهر، في ظل الارتفاع غير المسبوق في مستويات الدين العالمي ونسبته من الناتج المحلي الإجمالي، مما يهدد بحدوث انفجار في فقاعة الديون قد يزعزع استقرار النظام المالي العالمي بأسره.
وفقًا لتقديرات المؤسستين الماليتين الدوليتين وغيرها من المؤسسات الكبرى، فإن مستوى الدين الحالي في العالم لم يشهد مثله منذ الحرب العالمية الثانية في النصف الأول من القرن الماضي. في تلك الفترة، كانت الحكومات تلجأ إلى الاقتراض بسبب الظروف الاستثنائية والعوامل الخارجية التي لا يمكنها التحكم فيها، مثل الحروب الكبرى، مما كان يدفعها إلى الإنفاق أكثر مما يسمح به دخلها القومي وناتج اقتصادها.
في السنوات الأخيرة، أصبحت الحكومات تعتمد بشكل متزايد على الاقتراض لسد العجز في الميزانية وتمويل الإنفاق العام الذي يتجاوز قدرات الدول. وبذلك، لم تعد الدول تعيش وفقاً لما تمتلكه، كما أشار موقع “كلير فاينانس”. ومع ذلك، يختلف حجم الدين العام بين الدول، سواء كانت غنية أو ناشئة أو فقيرة.
وقد شجع السياسيون على تقديم وعود انتخابية بزيادة الإنفاق بما يتجاوز الإمكانيات المتاحة من أجل كسب الأصوات، وعند وصولهم إلى السلطة، يلجأون إلى الاقتراض لسد الفجوة بين الإيرادات والنفقات العامة. كما لعب الاقتصاديون دوراً في تسهيل عملية الاقتراض من خلال تقديم نظريات تؤكد على أهميته في تمويل الاستثمارات التي تعزز النمو الاقتصادي. ومع زيادة الناتج المحلي الإجمالي، تنخفض نسبة الدين مقارنة به، مما يمكّن الحكومة من الوفاء بالتزاماتها المالية.
إجمالي الدين العالمي
تُعتبر قواعد الانضباط المالي غير مُطبَّقة في العديد من الدول وفقًا للمعايير النظرية. بالإضافة إلى ذلك، تميل الدول المصنفة على أنها “غنية” إلى الاقتراض بشكل أكبر، مدعومة بثقة كبيرة من المقرضين في قدرتها على سداد ديونها. وقد أدى إدمان الاقتراض، الذي أصبح ظاهرة هيكلية في النظام المالي العالمي منذ أواخر القرن الماضي، إلى اقتراب حجم الدين العام العالمي من 100% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفقًا لتقديرات البنك الدولي. حاليًا، يتجاوز الدين العام في العالم 100 تريليون دولار، مما يمثل حوالي ثلث إجمالي الدين العالمي.
يشمل إجمالي الدين العالمي، بالإضافة إلى الدين العام الحكومي، ديون الشركات والديون الشخصية للمستهلكين. يتم الاقتراض، سواء من قبل الحكومات أو الشركات، من خلال إصدار أذون الخزانة والسندات الحكومية وسندات الدين الخاصة بالشركات، بالإضافة إلى الاقتراض من السوق الأولية باستخدام أدوات دين متنوعة. كما تشمل وسائل الاقتراض المباشرة وغيرها من أشكال الائتمان. أما القروض الشخصية، فغالبًا ما تُمنح من قبل البنوك والمؤسسات المالية عبر قروض ووسائل ائتمان أخرى.
وفقًا لبيانات معهد التمويل الدولي حتى نهاية مايو الماضي، بلغ إجمالي الدين العالمي 315 تريليون دولار، حيث وصف التقرير هذه الزيادة بأنها “الأكبر والأسرع والأكثر شمولاً منذ الحرب العالمية الثانية”.
من بين هذا الدين العالمي، وصل الدين العام (الحكومي المحلي والخارجي) إلى 91.4 تريليون دولار، بينما بلغت ديون الشركات 164.5 تريليون دولار. كما شكلت ديون القطاع المالي وحدها 70.4 تريليون دولار، في حين كانت الديون الشخصية للمستهلكين، مثل قروض الرهن العقاري وديون بطاقات الائتمان وقروض الطلاب وقروض السيارات، حوالي 59.1 تريليون دولار. ومن المؤكد أن هذه الأرقام قد ارتفعت في الأشهر الأربعة الأخيرة، وتشير التقديرات إلى أن نمو الدين العالمي يتسارع بوتيرة غير مسبوقة في العامين الحالي والسابق.
تفاوت حجم الدين بين الدول
وفقًا لبيانات معهد التمويل الدولي، فإن حوالي ثلثي إجمالي الدين العالمي مستحق على اقتصادات الدول التي تُعتبر “متقدمة” أو “غنية”، حيث تتصدر الولايات المتحدة واليابان قائمة الدول الأكثر مديونية في العالم.
يبلغ إجمالي الدين في دول الاقتصادات الناشئة حوالي 105 تريليونات دولار، مع نسبة دين إلى الناتج المحلي الإجمالي تصل إلى 257%، مما يشير إلى وضع خطير. ويشير تقرير المعهد إلى أن هذه النسبة تمثل أعلى مستوى لها منذ ثلاث سنوات، حيث تتصدر الصين والهند والمكسيك قائمة الدول الأكثر مديونية بين الاقتصادات الناشئة.
تعتبر سنغافورة تقريباً الدولة الوحيدة في العالم التي لا تواجه مشكلة في الدين العام (الحكومي)، حيث تتبع سياسة مالية صارمة تضمن أن لا يتجاوز الإنفاق العام الدخل القومي، مما يمنع حدوث عجز في الميزانية يتطلب تمويله من خلال الاقتراض. ومع ذلك، لا يعني ذلك أن الشركات والأعمال في سنغافورة خالية من الالتزامات المالية، كما أن هناك أيضاً ديوناً شخصية.
وبينما يؤكد الكاتب هاول هو أحد المحللين الاقتصاديين المعروفين، كما أنه المدير الإداري لشركة “كروسبوردر كابيتال” ومؤلف كتاب “حروب رأس المال: صعود السيولة العالمية”.
لا يقتصر الأمر على زيادة حجم فاتورة الفائدة، بل يتضمن أيضاً ضرورة تجديد كومة من الديون المستحقة، حيث سيظهر العام المقبل، وخاصة عام 2026، كعام مليء بالتحديات للمستثمرين”، كما يقول.
ويشير إلى أن بعض الدول تواجه “تراكمات في عمليات إعادة تمويل الديون التي تم اقتراضها في الغالب قبل بضع سنوات، عندما كانت أسعار الفائدة في أدنى مستوياتها”. ويضيف أن “التوترات المتعلقة بإعادة التمويل ساهمت في إشعال العديد من الأزمات المالية السابقة، مثل الأزمة الآسيوية في عامي 1997 و1998 والأزمة المالية في عامي 2008 و2009”.
تظهر هذه التوترات نتيجة لنمو الديون المستمر في حين أن السيولة تتسم بالدورية، حيث يثبت التاريخ أن الاستقرار المالي يتطلب نسبة شبه ثابتة بين حجم الديون وإجمالي السيولة. فزيادة الديون مقارنة بالسيولة تهدد بأزمات إعادة التمويل عند استحقاق الديون وعدم القدرة على تجديدها. من ناحية أخرى، يؤدي الإفراط في السيولة إلى التضخم النقدي وظهور فقاعات في أسعار الأصول. لذا، من الضروري أن يتبنى صناع السياسات نهجاً متوازناً، كما يؤكد الكاتب.
بغض النظر عن معيار نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، الذي يُستخدم لتقييم قدرة أي دولة على الوفاء بالتزاماتها الائتمانية، فإن حجم الدين العالمي بشكل عام، والذي يشمل نحو ثلثه الدين العام للحكومات، يُعتبر قنبلة موقوتة. هناك مخاوف من استمرار هذا الشره الائتماني والإفراط في الاقتراض، مما قد يؤدي إلى انفجار فقاعة الدين العالمي. وقد ينتج عن ذلك أزمة غير مسبوقة قد تفوق الأزمة المالية العالمية التي حدثت في 2008 – 2009.